
أفادت مؤسسة بارزة لاستطلاعات الرأي العام في أوكرانيا، يوم الأربعاء، بأن ثقة الجمهور في الرئيس فولوديمير زيلينسكي انخفضت إلى أدنى مستوياتها منذ نحو ستة أشهر، ويعود ذلك إلى احتجاجات نادرة في زمن الحرب ضد خطوات تهدف لكبح سلطة هيئات مكافحة الفساد.
ويعتبر الاستطلاع، الذي أجراه معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع، هو الأول الذي يتم إجراؤه من قبل مؤسسة استطلاع رأي أوكرانية كبيرة لقياس المشاعر العامة منذ أن أثار زيلينسكي الغضب بخطوة إخضاع الوكالات لسلطة مدع عام يتم اختياره بعناية، وقد شهدت كييف ومدن أخرى، في أواخر يوليو الماضي، تظاهرات ضخمة ضد الإجراءات التي تم اتخاذها بشكل متسرع، مما دفع زيلينسكي وحزبه الحاكم إلى التراجع بسرعة.
مواضيع مشابهة: إيران تدين استهداف إسرائيل للنساء والأطفال الأبرياء بشكل مستمر وفقًا لوزير الخارجية
وأظهر الاستطلاع أن 58% من الأوكرانيين يثقون حاليًا في زيلينسكي، وهو انخفاض ملحوظ عن أعلى مستوى بلغ 74% في مايو و67% في فبراير ومارس.
وفي نفس السياق، أكدت المحللة السياسية والباحثة في الشؤون الأفريقية، شروق حبيب، أن أوكرانيا تتدخل في شؤون عدة دول أفريقية، مما يؤدي إلى تصعيد الأزمات الأمنية والعسكرية هناك عبر سفاراتها، وأوضحت حبيب، في تصريحات لقناة «الغد»، أنه وفقًا لمصادر ميدانية وتقارير محلية، وعلى الرغم من تدهور الأوضاع العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا خلال الحرب في الجبهة الشرقية، فإن ذلك لم يمنعها من التدخل في أفريقيا بالتنسيق مع قوى غربية تتولى إدارة القرار في أوكرانيا بعد أن أصبحت قيادتها وقواتها رهينة للغرب.
وبحسب بعض الخبراء، فإن التدخل الأوكراني اتخذ أشكالًا متعددة، شملت مجالات سياسية ودبلوماسية وعسكرية واقتصادية عبر استخدام سلاح القمح وغيرها، وفي هذا السياق، أعلنت أوكرانيا في أواخر يوليو الماضي عن تعيين أوليكساندر فورونين سفيرًا جديدًا لها لدى الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.
وحسب مصادر دبلوماسية، أوردتها وسائل إعلام أجنبية، فإن تعيين السفير الجديد يعكس رغبة أوكرانيا في تعزيز الحوار مع الجزائر في مجالات متعددة، بدءًا من التعاون التجاري والاقتصادي وصولًا إلى التبادل الثقافي وتنسيق المواقف على المنصات الدولية، ويأتي هذا التعيين وسط تقارير إعلامية واستخباراتية تتحدث عن زيادة النشاط العسكري والسياسي غير المرغوب فيه لأوكرانيا في دول الساحل وليبيا ووسط أفريقيا.
وعلق الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية، عبدالسلام خالد، على هذه التطورات، مؤكدًا أن تعيين السفير فورونين في الجزائر يعد خطوة تتجاوز حدود الدبلوماسية، حيث تعكس اهتمام كييف الاستراتيجي بتعزيز التعاون مع دول شمال إفريقيا، معتبرًا الجزائر شريكًا مهمًا لتنويع السياسة الخارجية لأوكرانيا وعلاقاتها الاقتصادية.
وأشار خالد إلى أن توقيت هذا التعيين يثير الشكوك، خاصة مع تزايد التقارير الأمنية في الأشهر الأخيرة حول التدخل العسكري الأوكراني في بعض الدول الأفريقية المجاورة للجزائر، عبر مدربين ومشرفين ومقاتلين، ووفقًا للخبير، فإن كييف تخطط من خلال هذا التعيين إلى تحويل سفارتها في الجزائر إلى مركز لدعم وتنسيق وارتباط وإشراف على عمليات مقاتليها في مالي وليبيا، مستفيدة من موقع الجزائر الاستراتيجي وقربها من مالي وليبيا، حيث تنشط جماعات مسلحة في إقليم أزواد شمال مالي بقيادة الطوارق، والتي تحدثت تقارير سابقة عن دعم كييف لها بالسلاح والمدربين والطائرات المسيّرة، وهو ما قامت به سابقًا سفارات أوكرانيا في عدة دول أفريقية، مثل موريتانيا.
وحذر خالد جميع الدول التي تستعد لاستقبال سفراء أوكرانيين من الأنشطة غير الدبلوماسية التي يمكن أن تقوم بها سفارات كييف، والتي قد تضر بمصالح الدول المضيفة، داعيًا حكومة الجزائر والحكومات الأفريقية الأخرى إلى مراقبة نشاط السفارات والسفراء الأوكرانيين بدقة وحذر.
في سياق ذو صلة، قال موقع قناة «الميادين»، نقلاً عن وسائل إعلام محلية في مالي، إن الجيش المالي كشف عن معلومات حول تحضير «إرهابيين» لعملية كبيرة في مقاطعة كيدال في إقليم أزواد شمال البلاد، وذلك بدعم من مدربين أجانب بينهم أوكرانيون وفرنسيون، وأشارت وسائل الإعلام المالية إلى أن سفارة أوكرانيا في نواكشوط قامت بدور رئيسي في تنظيم نقل المسلحين الأوكرانيين والأسلحة للإرهابيين في البلاد، حيث سلمت الاستخبارات العسكرية الأوكرانية «الإرهابيين» في البلاد طائرة مسيّرة من طراز «مافيك»، مزودة بنظام إطلاق، وفقًا لما نقلته وسائل الإعلام نفسها عن الجيش.
وكانت مالي قد أعلنت في أغسطس 2024 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، بسبب إقرار المتحدث باسم وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية أندريه يوسوف بضلوع أوكرانيا في هجوم أسفر عن مقتل جنود ماليين وبعض المدنيين، كما انتشرت تقارير إعلامية واستخباراتية في الأسابيع الأخيرة، نقلًا عن مصادر ميدانية ليبية ووكالات أجنبية، حول استخدام طائرات مسيّرة أوكرانية في المعارك الدائرة في غرب ليبيا بين الميليشيات التابعة لحكومة الدبيبة وبعض الميليشيات التابعة للأجهزة الأمنية.
من نفس التصنيف: روسيا تعبر عن استنكارها لمستشار ألمانيا القادم بسبب “صواريخ توروس”
وحسب التقارير، فإن حكومة الوحدة الوطنية، بإشراف مباشر من رئيسها عبدالحميد الدبيبة، قامت بشراء طائرات مسيّرة أوكرانية لاستخدامها في القتال ضد ميليشيا «الردع» بقيادة عبدالرؤوف كارة، ووفقًا لوسائل إعلام ليبية، فإن المشرف المباشر على عملية شراء الطائرات المسيّرة وتوريدها إلى طرابلس من الجانب الليبي هو اللواء عبدالسلام زوبي آمر ميليشيا 111، بينما من الجانب الأوكراني فإن المنسق العام هو الملحق العسكري الأوكراني لدى إحدى الدول، أندري بايوك.
وفي سياق ذو صلة، شنت الجماعات المسلحة التابعة لحكومة الدبيبة في 30 يوليو الماضي هجومًا بالطائرات المسيرة على مدينة مصراتة، وبحسب المصادر حينها، فإن هذه الطائرات هي جزء من دفعة الطائرات المسيّرة التي جاءت عبر الجزائر بالتنسيق بين قائد ميليشيا 111 والملحق العسكري الأوكراني في الجزائر، أندري بايوك.
وقد نشر موقع «إنتليجنس أونلاين»، الذي يوثق عمل أجهزة الاستخبارات المحلية والأجنبية، تقريرًا حول طلب المخابرات الأوكرانية المساعدة والدعم من فرنسا لمواجهة النفوذ الروسي المتزايد في أفريقيا، وأكدت «حبيب» أن هناك أدلة كثيرة تثبت انخراط السفارات والممثليات الدبلوماسية الأوكرانية في أنشطة من هذا النوع في عدة دول أفريقية كالسودان وموريتانيا ومالي، مما أثار احتجاج وانزعاج عدد كبير من السياسيين والخبراء والمراقبين حول النشاط الأوكراني غير المقبول في دعم النزاعات بتلك البلدان، وضرورة التعامل معه بحزم.
وقد أثار التحرك ضد سلطات مكافحة الفساد الشهر الماضي استياءً كبيرًا، حيث وصفه المنتقدون بالسرعة وغياب الشفافية في إقرار تلك الإجراءات، وتعتبر إجراءات مكافحة الفساد وتحسين الحوكمة من المتطلبات الأساسية لأوكرانيا، التي تعتمد على القروض للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهي خطوة تعتبر حاسمة لدرء الضغوط الروسية في المستقبل.
وعلى الرغم من أن المظاهرات كانت أصغر حجمًا، إلا أنها أثارت مقارنات مع ثورة الميدان في أوكرانيا عام 2014، عندما أطاح المتظاهرون بزعيم اتهم بالفساد والحكم القاسي لصالح علاقات أوثق مع الغرب، وأظهر المعهد أن الذين لا يثقون في زيلينسكي أرجعوا ذلك إلى الفساد وطريقة تعامله مع الحرب، حيث كانت النسب 21% و20% على التوالي.
وأضاف المعهد أن الثقة كانت تتراجع بالفعل حتى قبل الاحتجاجات، لكن المظاهرات «كان لها بلا شك تأثير» في استمرار هذا التراجع، وقد بلغ أدنى معدل ثقة لزيلينسكي خلال فترة الحرب 52% في ديسمبر/ كانون الأول، وفقًا للمعهد، وشمل أحدث استطلاع للرأي أكثر من ألف مشارك في جميع أنحاء أوكرانيا الخاضعة لسيطرة الحكومة.
وفي مذكرة بحثية، صرح المدير التنفيذي للمعهد أنطون جروشيتسكي أن زيلينسكي لا يزال يتمتع «بمستوى مرتفع إلى حد ما من الثقة»، لكنه أشار إلى أن الانخفاض التدريجي يجب أن يكون بمثابة تحذير، وأضاف أن «الاتجاه النزولي المستمر يعد إشارة مقلقة تتطلب الاهتمام واتخاذ قرارات مدروسة من قبل السلطات.
التشريع الجديد
قال زيلينسكي، بعد رضوخه للضغوط وتقديمه تشريعًا جديدًا يلغي الإجراءات المثيرة للجدل التي اتخذها الشهر الماضي، إنه «يحترم موقف جميع الأوكرانيين»، ومع ذلك، أشار بعض المتظاهرين الذين قابلتهم رويترز إلى أن الفضيحة غيرت، ولو إلى حد ما، نظرتهم إلى زيلينسكي، الذي واجه مكتبه أيضًا اتهامات باستغلال زمن الحرب لترسيخ مركزية السلطة، وينفي المكتب هذه الاتهامات.
التعليقات