
بعد أن صادق الرئيس عبدالفتاح السيسي، يوم الاثنين الماضي، على قانون الإيجارات، أُثير جدل قانوني ودستوري حول مستقبل العلاقة بين المالك والمستأجر، خاصة مع التغييرات الجوهرية التي يحملها هذا القانون، والتي وصفها البعض بأنها «ثورية»، في واحدة من أكثر القضايا الاجتماعية والاقتصادية تعقيدًا في مصر على مدى عقود.
القانون الذي أقره البرلمان بشكل نهائي أنهى فترة طويلة من الترقب بين الملاك والمستأجرين، ولكنه لم يُنهِ الخلافات القانونية، حيث بدأت بعض القضايا تتجه إلى المحكمة الدستورية العليا، مطالبة بفحص دستورية القانون الجديد، خصوصًا فيما يتعلق بالتدخل في عقود مبرمة منذ عشرات السنين، والتي يعود بعضها إلى النصف الأول من القرن الماضي.
مواضيع مشابهة: وفاة شقيق الوكيل البابوي السابق في الإسكندرية و«القمص رويس» يتلقى التعازي
قال الدكتور حمدي عمر، أستاذ القانون الدستوري وعضو لجنة الخبراء العشرة لوضع دستور 2014، في تصريح خاص لـ«بوابة مولانا» إنه يمكن الطعن على القانون أمام المحكمة الدستورية، رغم موافقة رئيس الجمهورية عليه رسميًا، موضحًا أن الطعن لا يُرفع مباشرة، بل من خلال دعوى أمام محكمة مدنية مختصة من أحد المستأجرين المتضررين، وخلال نظر القضية، يمكن الدفع بعدم دستورية القانون، وإذا وجد القاضي جدية في الطلب، يؤجل نظر الدعوى لمدة 3 أشهر، ليمنح الطرف المتضرر فرصة تقديم دعوى رسمية للمحكمة الدستورية العليا.
وأشار إلى أن المحكمة الدستورية لا تقبل الدعاوى مباشرة من الأفراد، حرصًا على تنظيمها ومنعًا للفوضى القانونية، بل يجب أن يأتي الدفع من قاضٍ ينظر في دعوى قائمة بالفعل، وكشف الدكتور عمر أن المحكمة الدستورية لديها الصلاحية للنظر في دستورية قانون الإيجارات القديمة من تلقاء نفسها في أي قانون تجد فيه شبهة عدم الدستورية بعد تصديق الرئيس السيسي عليه، متوقعًا أنه لن تُصدر حكمًا نهائيًا في هذا القانون قبل 5 سنوات على الأقل، في ظل الإجراءات القانونية والتراكمات القضائية المعتادة.
وأضاف أن البرلمان، باعتباره السلطة التشريعية، يمتلك الحق في تعديل القانون، حيث سبق وأن أصدرت المحكمة الدستورية في التسعينيات حكمًا يقضي بعدم امتداد عقد الإيجار القديم إلا لجيل واحد من الأبناء، كما أصدرت حكمًا حديثًا يطالب بـ«تحريك القيمة الإيجارية» لتتناسب مع الوضع الاقتصادي الحالي، مما يمنح البرلمان الحق في إعادة النظر في بنود القانون بالكامل.
وأكد الدكتور حمدي عمر أن الدستور المصري يحمي في آنٍ واحد الملكية الخاصة و«الحق في السكن»، مما يجعل المشرع أمام معادلة صعبة، كيف يحقق التوازن بين طرفين، أحدهما مالك يسعى لعائد عادل من ممتلكاته، والآخر مستأجر يرى أن عقده أُبرم وفق قواعد قانونية كانت معمول بها لعقود؟، موضحًا أن التعاقد بين الطرفين، وإن كان شرعيًا عند إبرامه، إلا أن مرور الزمن وتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية فرض ضرورة إعادة تنظيم العلاقة بقانون جديد، كما لفت إلى أن العديد من العقود الإيجارية القديمة أصبحت اليوم في حوزة الورثة، مما يجعل الإرادة التعاقدية الأصلية غائبة، مما يعطي المشرع دفعة قوية لإعادة تنظيم العلاقة.
من جانبه، قال الدكتور أحمد سعيد، أستاذ القانون الدستوري، إن القانون بصيغته الحالية يحمل شبهة عدم دستورية، خاصة إذا تضمن إلغاء العقود القديمة خلال فترة زمنية معينة، معتبرًا أن ذلك تدخل صريح في الإرادة الحرة للمتعاقدين، وهو ما يتعارض مع نصوص الدستور، وأكد أن الدستور لا يمنع البرلمان من التدخل لتنظيم القيمة الإيجارية، ولكن يجب أن يتم ذلك بشكل تدريجي يحترم العقود القديمة ولا ينقضها كليًا.
واقترح سعيد أن يتم تحديد القيمة الإيجارية لتبدأ من 1000 جنيه شهريًا، مع زيادة سنوية بنسبة 20 إلى 30%، حتى تتساوى تدريجيًا مع قيم السوق خلال مدة لا تقل عن 7 سنوات، وهو التعديل الذي أشارت المحكمة الدستورية العليا إلى أنه مطلوب رسميًا في حكمها الصادر نوفمبر 2024، وأكدت أن البرلمان المصري ملزم بإصدار تشريع يعالج هذه النقطة قبل نهاية دور الانعقاد الحالي.
وشدد على أن المحكمة لم تصدر حكمًا بإلغاء قانون الإيجارات القديم ذاته، بل فقط رفضت تثبيت القيمة الإيجارية لعقود طويلة دون مبرر، مما يعني ضرورة المعالجة التشريعية دون المساس بجوهر العقود القديمة، وكانت المحكمة الدستورية أصدرت حكمًا تاريخيًا في نوفمبر 2024، أكدت فيه أن تثبيت القيمة الإيجارية لعقود الإيجار لمدة تصل إلى 50 سنة يعد إخلالًا بالعدالة الاقتصادية، وأمرت بتعديل تشريعي يعيد التوازن بين طرفي العلاقة.
مقال مقترح: أسعار السجائر الحالية في الأسواق اليوم
استجابة لهذا الحكم، صوت مجلس النواب بالموافقة النهائية على مشروع القانون في يونيو الماضي، وسط انقسام داخل المجلس، ولكن بأغلبية صوتت بالموافقة على القانون، قبل أن يُرفع إلى الرئيس، الذي صدق عليه رسميًا يوم الإثنين الماضي.
التعليقات