قناة السويس الجديدة تعيد تشكيل التجارة العالمية بمشروع مصري مبتكر

مرت عشر سنوات منذ افتتاح قناة السويس الجديدة، وهو المشروع الذي أُطلق بتوجيه مباشر من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ليعيد تشكيل خريطة الملاحة العالمية، ويعيد لمصر مكانتها في صدارة المشهد البحري الدولي.

وفي الذكرى العاشرة، تسترجع الذاكرة المصرية تلك اللحظة الحاسمة التي شهدت بدء التشغيل الفعلي للقناة الجديدة، بعد عام واحد فقط من بدء الحفر، حيث وُصف هذا الإنجاز بأنه “معجزة زمنية” وعلامة بارزة على قدرة المصريين عندما تتوحد إرادتهم.

من الفكرة إلى الافتتاح

في صباح يوم 6 أغسطس/آب 2014، أعلن السيسي من موقع الحفر عن بدء مشروع قناة السويس الجديدة، محددًا عامًا واحدًا فقط لإنجاز المشروع الذي يمتد بطول 72 كيلومترًا كممر ملاحي مزدوج، يتضمن حفر قناة جديدة بطول 35 كم (من كم 61 إلى كم 95 ترقيم قناة)، وتوسعة وتعميق تفريعات البحيرات المرة والبلاح بطول 37 كم (من كم 50 إلى كم 122).

ورغم الشكوك التي أثيرت حول إمكانية تنفيذ المشروع بهذا الحجم خلال عام واحد فقط، جاءت الحقائق لتثبت عكس ذلك، حيث تمت عمليات الحفر بأيدٍ مصرية خالصة، قادتها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، بمشاركة 17 شركة وطنية مدنية، التي نفذت العمل تحت إشراف مباشر وسلس من القوات المسلحة.

احتفال عالمي.. ومشهد لا يُنسى

في صباح السادس من أغسطس/آب 2015، تحولت الضفة الشرقية لقناة السويس إلى ملتقى دولي، حيث شهدت مصر حفل الافتتاح الرسمي للقناة الجديدة بحضور عدد من قادة وزعماء العالم، أبرزهم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات، والأمير الراحل صباح الأحمد الجابر الصباح أمير الكويت، والرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا هولاند، والعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايلي مريام ديسالين، وآخرون.

وقف السيسي على المنصة الرئيسية وألقى كلمته بينما كانت أول سفينة تعبر القناة الجديدة، في الوقت الذي كانت فيه سفينة أخرى تسير في الاتجاه المعاكس داخل القناة القديمة، في مشهد رمزي يعكس “الازدواج” الذي تحقق بالفعل في الممر الملاحي الأهم عالميًا.

لماذا قناة جديدة؟

قبل 2015، كانت قناة السويس تعاني من تأخير في حركة الملاحة، خاصة بسبب توقف قافلة الشمال لأكثر من 11 ساعة في منطقة البحيرات المرة، ما كان يقلل من كفاءة القناة ويحد من طاقتها الاستيعابية، كما لم تكن القناة قادرة تمامًا على استيعاب السفن العملاقة ذات الغاطس الكبير.

وجاءت القناة الجديدة لتقدم الحل الجذري، حيث تسمح بمرور السفن العملاقة بغاطس يصل إلى 65 قدمًا، كما قللت زمن انتظار السفن، وزادت القدرة الاستيعابية للقناة من 49 سفينة إلى 97 سفينة يوميًا، وبلغت تكلفة المشروع 4 مليارات دولار، مع تقديرات رسمية بأنه سيؤدي إلى زيادة دخل القناة بنسبة تصل إلى 259% على المدى الطويل.

بوابة لمشروعات أكبر

لم يكن المشروع مجرد توسيع لممر ملاحي، بل كان نواة لمشروع اقتصادي وتنموي شامل، وهو تنمية محور قناة السويس، الذي يشمل إنشاء مناطق صناعية ولوجستية، وتوسعة موانئ مثل شرق بورسعيد، واستقطاب استثمارات أجنبية في قطاعات مثل النقل والخدمات البحرية والطاقة والتصنيع.

كما أعطى المشروع دفعة معنوية كبيرة للمصريين، إذ تم تمويله محليًا بالكامل من خلال شهادات استثمار قناة السويس، التي تم طرحها للمصريين وجمعت أكثر من 60 مليار جنيه في أقل من أسبوع، وهو ما اعتبره البعض استفتاءً شعبيًا على الثقة في المشروع والرغبة في المساهمة فيه.

على مدار السنوات العشر الماضية، شهد العالم تحولات كبرى في الاقتصاد والسياسة وسلاسل الإمداد، خاصة بعد جائحة كورونا وأزمات الشحن العالمية، وأثبتت قناة السويس الجديدة خلال تلك الأحداث أهميتها الاستراتيجية، لا سيما بعد حادثة جنوح السفينة “إيفر غيفن” في 2021، التي أدت إلى شلل الملاحة العالمية لعدة أيام، وجعلت العالم يعيد تقييم أهمية هذا الممر الحيوي.

في موازاة ذلك، توسعت هيئة قناة السويس في مشاريع التعميق والتطوير، وأعلنت مؤخرًا عن خطط لإنشاء قناة موازية جديدة في بعض القطاعات، لمواكبة الزيادة المستمرة في حركة التجارة العالمية.

aXA6IDJhMTM6YWRjMDo6YWYxOmVhZmY6ZmVmNjoyYjUyIA==.

جزيرة ام اند امز.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *