الأقسام: دوليّة

أوروبا تسعى لتعزيز نفوذها في الإندو-باسيفيك ورسالة قوية للتنين الصيني

د.أيمن سمير.

قال وزير الدفاع البريطاني جون هيلي، «مستعدون للقتال جنباً إلى جنب مع أستراليا حال اندلاع صراع مسلح حول تايوان»، وذلك خلال مناورة «تاليسمان سابر» التي انطلقت في 13 يوليو وتستمر حتى 4 أغسطس، حيث تشارك فيها 19 دولة بحوالي 40 ألف جندي، وتعد هذه المرة الأولى التي تشارك فيها بريطانيا بحاملة الطائرات «إتش إم إس برنس أوف ويلز»، وتبرز هذه المشاركة تصريحات الوزير البريطاني مدى الانخراط العسكري الأوروبي في منطقة «الإندو- باسيفيك»، حيث تلعب الدول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا دوراً عسكرياً متزايداً في شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي، وصولاً إلى منطقة الإندو- باسيفيك التي تمتد من شرق إفريقيا إلى جنوب غرب المحيط الهادئ، وتحتوي على مناطق استراتيجية مثل «مضيق ملقا» و«مضيق فورموزا»، وتهدف هذه الدول من تواجدها العسكري إلى تأمين «حرية الملاحة» في سلاسل الإمداد الطويلة، حيث تمر في مياه الإندو- باسيفيك نحو 60% من البضائع المتجهة إلى أوروبا.

كما تسعى الدول الأوروبية من خلال تواجدها العسكري في هذه المنطقة الحيوية إلى منع اندلاع الصراعات في قلب التجارة الدولية، حيث تمر في شرق آسيا والمحيط الهندي عبر مضيق ملقا نحو 94 ألف سفينة سنوياً، تشكل حوالي 30% من التجارة البحرية العالمية، ويمر عبر هذا المضيق يومياً نحو 15 مليون برميل من النفط، ويبعث الحشد العسكري الأوروبي في جنوب شرق آسيا برسالة ردع لأي محاولة صينية لاستعادة جزيرة تايوان بالقوة، ويدعم هذا التواجد الأوروبي 6 دول في جنوب شرق آسيا وهي بروناي وماليزيا وفيتنام والفلبين وإندونيسيا وتايوان، التي تواجه خلافات مع الصين حول حقوق السيادة في بحر الصين الجنوبي.

تستخدم الدول الأوروبية مجموعة متنوعة من الأدوات لتعزيز حضورها في منطقة الإندو- باسيفيك، فتارة يكون ذلك عبر الوجود العسكري المباشر، وتارة أخرى من خلال الشراكات والاتفاقيات العسكرية، وأحياناً عبر بيع الأسلحة وبناء القواعد والتحالفات العسكرية مع دول المنطقة، فما هي الأدوات والأهداف الأوروبية في هذه المناطق البعيدة عن أوروبا بنحو 10 آلاف كيلومتر؟ وهل تحمل هذه الرسالة دلالات للحليف الأمريكي والمنافس الصيني؟ وكيف يساهم هذا الوجود في تحقيق السلام والاستقرار في منطقة باتت مركزاً لحسابات المستقبل؟

لماذا هذا الاهتمام؟

تعتبر منطقة الإندو – باسيفيك محورية في السياسة الدولية، نظراً لما تمتلكه دول المنطقة من اقتصادات ضخمة وموقع استراتيجي في التجارة بين الشرق والغرب، وفقاً لاستراتيجية الاتحاد الأوروبي للتعاون مع منطقة الإندو – باسيفيك، فإن المنطقة تستحوذ على نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتسيطر على ثلثي النمو الاقتصادي الدولي، ويعيش فيها حوالي 60% من سكان العالم، وتضم 3 من أكبر 4 اقتصادات خارج الاتحاد الأوروبي وهي الصين واليابان والهند، وتعتبر الدول الأوروبية من أبرز الشركاء التجاريين لدول الإندو- باسيفيك، حيث تقود مع الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي، وبلغت التجارة السنوية بين الطرفين حوالي 1.5 تريليون يورو في عام 2022.

استراتيجية أوروبية للإندو- باسيفيك

بدأت فرنسا عام 2018 وهولندا عام 2020 في وضع خطط جديدة لتعميق علاقاتها مع منطقة الإندو – باسيفيك، لكن منذ سبتمبر 2021، بدأت الدول الأوروبية صياغة «رؤية جماعية» للتعاون مع المنطقة، خاصة مع الهند واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا ودول الآسيان العشر، وتعتبر الصين جزءاً من هذه الاستراتيجية الأوروبية، حيث يُنظر إلى التعاون معها كوسيلة لمنع تصاعد القوة الصينية تجاه جزيرة تايوان، مما يجعل الدول الأوروبية لاعباً جيوسياسياً في الإندو- باسيفيك، وبدأت الدول الأوروبية سواء في الاتحاد الأوروبي أو خارجه مثل بريطانيا في صياغة معادلات خاصة بها في هذه المنطقة.

أولاً: بريطانيا

شاركت بريطانيا في جميع الخطوات الاقتصادية والعسكرية التي اتخذتها الولايات المتحدة في الإندو – باسيفيك، واستخدمت مجموعة من الأدوات، منها:

1- المشاركة في التحالفات العسكرية مثل تحالف «أوكوس» الذي تأسس في 15 سبتمبر 2021، والذي يضم بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا، حيث يتم التصنيع المشترك للغواصات النووية التي ستتسلمها أستراليا بداية من عام 2035 لتكون بمثابة حائط صد أمام النمو الكبير للبحرية الصينية.

2- توقيع «اتفاقية جيلونج» الدفاعية مع أستراليا في 26 يوليو، والتي تمتد لخمسين عاماً، وتضمن تعاوناً شاملاً في تصميم وبناء وتشغيل ودعم «غواصات أوكوس» على مدى خمسة عقود قادمة، ويعتبر هذا المشروع الأكبر في تاريخ الدفاع الأسترالي.

3- توقيع اتفاقية دفاعية مع اليابان في 11 يناير 2023، حيث وصفت بريطانيا هذا الاتفاق بأنه يعكس التزامها تجاه منطقة الإندو- باسيفيك، وبموجب هذا الاتفاق، لا تلتزم لندن وطوكيو فقط بدعم بعضهما في حالة التعرض لهجوم، بل بنشر قوات على أراضي بعضهما عبر اتفاقية «الوصول المتبادل».

ثانياً: المصالح الفرنسية

تمتلك فرنسا تاريخاً طويلاً في المنطقة، حيث كانت تسيطر على أراض شاسعة في الإندو – باسيفيك من عام 1886 حتى 1954، وما زالت تحتفظ بثلاثة أقاليم رئيسية تضم نحو 1.5 مليون نسمة، وتعتبر فرنسا من القوى العالمية ذات الأساطيل البحرية القوية، وقد نفذت مجموعة من الخطوات لتعزيز وجودها، منها:

1- زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى فيتنام في مايو الماضي، وهي مستعمرة فرنسية سابقة، بهدف تعزيز الشراكة مع فيتنام التي تتنازع مع الصين على السيادة في بحر الصين الجنوبي، وقد أعلنت باريس وهانوي في أكتوبر 2024 عن تطوير علاقتهما إلى شراكة استراتيجية شاملة.

2- بيع 42 طائرة رافال لجاكرتا في يناير 2024، وتوقيع 12 اتفاقية عسكرية ودفاعية تشمل مجالات الغواصات والأمن البحري، مما يمهد الطريق لعلاقات دفاعية استراتيجية.

3- تسعى فرنسا لتكون شريكاً موثوقاً في الدفاع، حيث تقدم التدريب والأسلحة والطائرات في ظل تنامي النشاط البحري الصيني، وكان ماكرون أول رئيس يحضر «قمة حوار شانجريلا» ليؤكد التزام فرنسا بدعم دول المنطقة.

4- تقدم فرنسا خبرتها في الطاقة النووية بشكل خاص إلى إندونيسيا وفيتنام.

ثالثاً: الحضور الألماني

تسعى ألمانيا إلى تحقيق توازن في سياستها تجاه دول شرق آسيا والإندو – باسيفيك، مع الحفاظ على علاقاتها التجارية مع الصين، حيث تعتبر أكبر شريك تجاري لألمانيا في آسيا، وتعمل على مسارين متوازيين، الأول هو الإبقاء على العلاقات الاقتصادية مع الصين، والثاني هو التحذير من السياسات التوسعية الصينية، بينما توسع ألمانيا نشاطها الأمني والعسكري في المنطقة، حيث وصلت التجارة بين برلين ودول الآسيان إلى حوالي 100 مليار دولار عام 2024، وارتفعت التجارة مع الهند إلى 35 مليار دولار ومع اليابان إلى 50 مليار دولار، ومع أستراليا إلى 20 مليار دولار، وتعتبر ألمانيا رابع أكبر مصدر للأسلحة لهذه الدول.

لذلك، نشرت ألمانيا سفينتين حربيتين في المحيطين الهندي والهادئ تحت شعار «الدفاع عن النظام الدولي القائم على القواعد»، وتعزيز السلام والأمن، وجاءت هذه الخطوات بعد قرار برلين في سبتمبر 2020 بزيادة اهتمامها بمنطقة الإندو- باسيفيك، وتوسيع علاقاتها مع مجموعة دول الآسيان، وتركز ألمانيا على الشق الأمني من خلال الانضمام إلى اتفاقية التعاون الإقليمي لمكافحة القرصنة، والمشاركة في المناورات العسكرية مع الدول الغربية، وتؤكد برلين التزامها الأمني طويل الأمد تجاه دول المنطقة، حيث أرسلت «الفرقاطة بايرن» إلى الإندو – باسيفيك، وأرسلت طائرات يوروفايتر لدعم التدريبات الجوية، وتعمل على توقيع اتفاقية مع كوريا الجنوبية لتقوية الصناعات الدفاعية، مما يعكس دور ألمانيا المحوري في دعم السياسات الدفاعية لدول المنطقة، وتوجه رسالة واضحة للصين من خلال مشاركتها في إرسال سفنها العسكرية عبر مضيق فورموزا الذي يفصل الصين عن تايوان.

من المؤكد أن الدور الأوروبي في منطقة الإندو- باسيفيك سيزداد عمقاً وحضوراً في المستقبل، ليس فقط للأهمية الجيوسياسية لهذه المنطقة، ولكن أيضاً لرغبة الأوروبيين في إرسال رسالة واضحة للبيت الأبيض بأنهم جاهزون للعب دور جيوسياسي في المناطق البعيدة، مما يخفف الأعباء عن الولايات المتحدة التي تعيد حساباتها في مختلف الملفات، بما في ذلك ملف الإندو – باسيفيك.

المشاركات الاخيرة

  • دوليّة

الأمم المتحدة تمنح الجزائر منصبًا رفيعًا تكريمًا لإنجازاتها المميزة

انتُخب السفير عمار بن جامع، المندوب الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، نائبًا لرئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة (ECOSOC).ويُعتبر هذا…

31 ثانية منذ
  • مصر

من هو مشهور فواز صاحب الدعوة المثيرة للتظاهر في تل أبيب ضد مصر لإحياء ذكرى مرسى؟

في ظل الحملات الإلكترونية التي تقودها لجان ضد مصر في الفترة الأخيرة، من شائعات ووسوم معادية عبر منصة «إكس»، بالإضافة…

دقيقة واحدة منذ
  • اقتصاد

سعر الذهب اليوم الخميس 31 يوليو 2025 بعد تراجع عيار 21 بمقدار 90 جنيهًا

استقرت أسعار الذهب بختام تعاملات اليوم الخميس 31 يوليو 2025، عند نفس المعدلات المتراجعة، حيث فقد الأكثر تداولًا في محلات…

6 دقائق منذ
  • اقتصاد
  • مصر

أسعار الذهب في مصر ترتفع الآن وعيار 24 يسجل 5143 جنيهًا للشراء في تحديث مساء اليوم

يسعى الكثير من الناس لمعرفة أسعار الذهب اليوم في مصر، حيث نتابع معكم آخر المستجدات ليوم الخميس 31 يوليو في…

9 دقائق منذ
  • ترفيه

وداعًا صديقي.. حجاج عبدالعظيم يودع لطفي لبيب بكلمات مؤثرة

أعرب الفنان عن حزنه الشديد لرحيل الفنان الراحل لطفي لبيب، الذي غيبه الموت صباح أمس، وذلك من خلال حسابه الرسمي…

10 دقائق منذ
  • اقتصاد

ارتفاع طلبات البطالة في الولايات المتحدة وتأثيرها على توازن سوق العمل

شهد عدد الأمريكيين الذين قدموا طلبات جديدة للحصول على إعانات البطالة ارتفاعًا طفيفًا في الأسبوع الماضي، مما يدل على استمرار…

12 دقيقة منذ