
في حادثة مثيرة للجدل، قام شاب في ولاية سطيف بتخريب تمثال “عين الفوارة”، الذي يُعتبر من أبرز رموز المدينة الحضارية، حيث تمكن الجاني، في لحظات سريعة، من تشويه وجه التمثال العريق قبل أن تتدخل قوات الأمن وتلقي القبض عليه، محيلًا إياه إلى مقر الشرطة.
امرأة عارية تقاوم الجدل
على الرغم من أربع محاولات سابقة لتخريب ملامح التمثال، ظلّ تمثال عين الفوارة شامخًا في قلب سطيف، يرحب بزوار المدينة بمياهه العذبة وروحه التي لا تقبل الانكسار، ففي 22 أفريل 1997، تعرض التمثال لقنبلة خلال العشرية السوداء، في محاولة لإسقاط رمز المدينة وسط أجواء العنف، لكن صلابته انتصرت، وتمت إعادة ترميمه في أقل من 24 ساعة.
ممكن يعجبك: بيتكوفيتش يتفوق بالأرقام على بلماضي وغوركوف وحليلوزيتش في عالم التدريب
متابعو الموقع يشاهدون:
وفي مارس 2006، عاد شبح التخريب مجددًا، عندما أقدم شاب تحت تأثير المخدرات على تحطيم الجزء العلوي من التمثال مستخدمًا مطرقة، مستهدفًا ملامح المرأة التي جسّدها النحات الفرنسي منذ أكثر من قرن، وتكررت فصول الاستهداف في ديسمبر 2017، حين هاجم رجل وُصف بـ”المتشدّد” التمثال بمطرقة، مدمّرًا وجه وثديي المرأة، في مشهد صادم أعاد الجدل إلى الساحة، قبل أن تتدخل السلطات المحلية وتعيد ترميمه بدقة.
أما في السنوات الأخيرة، فقد شهدت عين الفوارة محاولة جديدة، عندما ألقى شاب حجرًا على التمثال عقب مباراة لكرة القدم، في محاولة يائسة لكسر أجزاء منه، قبل أن يُلقى عليه القبض بسرعة، مما يدل على اليقظة الأمنية وتمسّك المدينة برمزها العريق.
ممكن يعجبك: الاعتراف الفرنسي”.. فلسطين تبارك وإسرائيل تنتقد ماكرون
ترتبط معظم محاولات التخريب برفض الشكل الفني للتمثال، نظرًا لأنه يُجسّد امرأة عارية، مما أثار تحفظات لدى بعض التيارات المتشددة، لكن سكان سطيف لطالما عبّروا عن تمسّكهم بالتمثال واعتزازهم به كجزء من ذاكرتهم الجمعية وهويتهم الثقافية، وهو ما تعكسه بوضوح أغاني المنطقة وأشعار الملحون التي تغنّت بعين الفوارة كرمز للجمال والصمود.
تصنيف ثقافي يمنع تحويله ويصون رمزيته
سبق لوزارة الثقافة في سنة 2018 أن أبدت رفضها القاطع لنقل التمثال إلى المتحف، مشددة على عدم فتح المجال أمام إزالة التماثيل من الأماكن العامة، وفي عام 2022، أكدت وزيرة الثقافة حينها أن تمثال “عين الفوارة” هو معلم ضمن قائمة الممتلكات الثقافية المحمية، وأوضحت أنه من غير الممكن تحويل معلم عين الفوارة عن فضائه الجغرافي كونه مصنف ضمن قائمة الممتلكات الثقافية المحمية.
كما أبرزت مولوجي أن سكان سطيف متشبثون بهذه التحفة الفنية التي تشكّل رمزية للمدينة التي تمتلك العديد من الرموز التاريخية والثقافية، وأكدت الوزيرة السابقة أنه بموجب القرار المؤرخ في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 1999، المتضمن تصنيف المعالم والمواقع التاريخية، والصادر في الجريدة الرسمية رقم 87 المؤرخة في 8 كانون الأول/ديسمبر 1999، فقد صنف هذا المعلم ضمن قائمة الممتلكات الثقافية المحمية، الأمر الذي يحول دون تحويله عن فضائه الجغرافي وسياقه التاريخي.
إبداع فرانسيس دي سان فيدال
تمثال عين الفوارة من تصميم النحات الفرنسي-الإيطالي فرانسيس دي سان فيدال في سنة 1898، حيث عُرض التمثال في باريس خلال معرض عالمي احتفالًا بمئوية برج إيفل، وأمر الحاكم العسكري الفرنسي لسطيف بنقله إلى الولاية، وتم بناء النافورة حول عين ماء طبيعي كان مصدرًا للماء الدافئ في الشتاء والبارد في الصيف، وبُني التمثال عليها في عام 1899.
تتوسط “سيدة عين الفوارة” ساحة الاستقلال بسطيف، شامخة على نبعها العذب، في مشهد يُجسّد ارتباط السكان بهذا المعلم الذي تجاوز دوره الجمالي ليصبح رمزًا للذاكرة والاعتزاز المحلي.
التعليقات