الصين.. قوة اقتصادية عظمى لكن تعاني من الأنانية والتردد الكبير

أوضحت «يو جيه»، الزميلة الأولى في شؤون الصين بمركز الأبحاث البريطاني «تشاتام هاوس»، أن هناك افتراضًا شائعًا بأن الصين ستسعى لملء الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة مع تصاعد النزعة القومية والانغلاق، لكن القيادة الصينية ليست مهتمة بأن تحل محل أمريكا.

وفي مقالها على موقع بروجبكت سنديكيت، أكدت أن محاولة القيام بذلك قد تكلف الصين كثيرًا في ظل إعادة توجيه اقتصادي واسع النطاق داخليًا، وأضافت أنه رغم أن العالم قد يشعر بالتعب من التدخل الأمريكي، خاصة مع عدوان ترامب، إلا أنه ليس مستعدًا لاستقبال قوة عظمى جديدة، وقد تجنبت الصين عمدًا الانخراط في أزمات كبرى خارج حدود جيرانها، ورغم تقديمها لمبادرات عالمية حول التنمية والأمن والحضارة، إلا أن جهودها لم تتجاوز نطاق الحكم الاقتصادي.

بينما يتناول المعلقون الأجانب رؤية الصين، حيث يراها البعض كقوة مهيمنة خيرة، بينما يعتبرها آخرون قوة شريرة، فإن السلطات والمثقفين الصينيين يركزون بشكل أكثر إلحاحًا على كيفية تجاوز العاصفة التي أثارها ترامب.

تساؤلات حول المصالح الأساسية للصين.

لطالما تساءل المعلقون والقادة الصينيون عن المصالح الوطنية الجوهرية للصين، ومن منظور خارجي، يبدو أن الإجابة واضحة وهي استبدال الولايات المتحدة كقائد عالمي، لكن السعي وراء هذا الدور قد يتعارض مع مصالح أخرى، مثل الحفاظ على شرعية النظام وأمنه، وتحقيق مستويات معيشة مرتفعة، وإعادة توحيد تايوان مع البر الرئيسي، ولعل أفضل وسيلة لتحقيق هذه الأهداف هي الحفاظ على سلام بارد مع الولايات المتحدة بدلاً من الدخول في صراع معها.

من خلال مراقبتها للولايات المتحدة، تدرك الصين تمامًا أن كونها قوة عظمى عالمية سيجرها إلى حروب إقليمية ترغب في تجنبها، كما أنها تدرك أنها استفادت بشكل كبير من الاستقرار الاقتصادي العالمي النسبي الذي ساهمت الولايات المتحدة وحلفاؤها في تحقيقه.

تحتاج الصين إلى الاحتفاظ بكميات هائلة من الموارد والقوى العاملة محليًا لمواجهة أكبر تحدياتها، ويجب على القادة الصينيين إدارة اقتصاد لم يعد يعتمد بشكل أساسي على التطوير العقاري والصادرات، مع الاستعداد لاحتمالية انزلاق أحد أكبر شركائها التجاريين إلى العزلة التامة، حيث كانت رسوم ترامب الجمركية وتصاعد الرسوم الجمركية ردًا على الإجراءات المضادة الصينية بمثابة جرس إنذار، وبغض النظر عن نتيجة الحرب التجارية، تحتاج الصين بشكل عاجل إلى إعادة توازن اقتصادها من خلال تحفيز الطلب المحلي.

رغم أن القادة الصينيين قد أقروا منذ زمن طويل بالحاجة إلى إعادة التوازن، إلا أنهم تأخروا في تنفيذ السياسات اللازمة، ورغم الرسائل العامة، استمروا في إعطاء الأولوية للإنتاج الصناعي على مستوى المعيشة، وللاستثمار الرأسمالي على إنفاق المستهلكين، لكن احتمال فقدان إحدى كبرى أسواق صادراتهم ينبغي أن يغير هذه الحسابات، لم يعد هناك مبرر للتأخير.

وبالمثل، لدى الصين مصلحة في بناء سلاسل توريد مرنة للتقنيات الحيوية لتجاوز المعوقات الأمريكية، وقد تم توجيه جزء كبير من الموارد الوطنية بالفعل نحو تعزيز الابتكار المحلي، ومع تصاعد التنافس الصيني الأمريكي على مدى العقد الماضي، أصبح القادة الصينيون يعتبرون الابتكار المحلي ضرورة استراتيجية، وفي مناسبات عديدة، حذر شي من أن الصين تقع تحت رحمة الاقتصادات المتقدمة في الحصول على مدخلات حيوية، مثل أشباه الموصلات المتقدمة ومحركات الطائرات، وأوضح في يونيو الماضي أن «على الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزته المساعي العلمية والتكنولوجية للصين، إلا أن قدراتها الابتكارية الأصلية لا تزال ضعيفة نسبيًا، حيث تسيطر تقنيات أساسية رئيسية على تقنيات أخرى».