من دمار غزة إلى إشراقة العلم في مصر: رحلة الأمل والتغيير

فى مدينة غزة المنهكة بفعل الحصار، وبين مشاهد الدمار والدموع، وُلد «مصطفى بن محمد السعافين» فى أسرة مشبعة بنور العلم، حيث كان جده ووالده من علماء الأزهر الشريف فى فلسطين، فهو ابن الدكتور محمد السعافين، شيخ الطريقة الشاذلية وعضو المجلس الصوفى الأعلى فى بيت المقدس.

كان حلم الطفل بسيطًا، أن يصبح عالمًا يخدم دينه وأمته، لكن هذا الحلم اصطدم بواقع الحرب مبكرًا.

عندما اندلعت الحرب الأخيرة على غزة، عاش مصطفى أول أيامها بين القصف والركام، حيث دُمّر معهده الأزهرى، الذي كان بمثابة بيته الثانى، واستشهد بعض زملائه، وفقد آخرون وسط الأنقاض، ومع تدهور صحة والدته، اضطر لمغادرة غزة وحيدًا، وهو فى سن المراهقة، طلبًا للعلاج، تاركًا خلفه عائلته.

فى حضرة الإمام الأكبر.

مصطفى مع شيخ الأزهر.

قبل الحرب، زار مصطفى ووالده الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، فى القاهرة، حيث قال الإمام الطيب لوالده: «نريد الشيخ مصطفى أن يكمل دراسته عندنا فى مصر»

ما بدا وعدًا من قلب أبوى، تحقق مع اشتداد الأزمات، حيث التحق مصطفى بمعهد مصر الجديدة العسكرى الأزهرى، وهناك، كما يروى، وجد وطنًا ثانيًا.

مصطفى يتحدث لـ«المصرى اليوم»: «احتضننى الأزهر بكل رحمة، لم أشعر بالغربة، فالمعلمون والمعلمات كانوا عائلتى، وفّروا لى الكتب و«القرطاسية» والرعاية النفسية والتعليمية، صحيح أن قلبى بقى معلقًا بغزة، وكنت أعيش قلقًا دائمًا على والدى وأصدقائى هناك، لكننى تشبثت بالأمل

رغم الظروف، حصل مصطفى هذا العام على 83.05٪ فى القسم الأدبى من الثانوية الأزهرية.

يقول بصوت هادئ ممزوج بالرضا: «كنت أطمح لأعلى، حصلت فى الصف الأول الثانوى على 95٪، لكن الظروف كانت صعبة، ومع ذلك، أنا راضٍ، وأتطلع الآن للالتحاق بكلية الشريعة والقانون فى الأزهر الشريف، لأكمل مسيرة والدى وجدى»

فخر الوالد ودعاؤه.

من غزة، أرسل الدكتور محمد السعافين كلمات مفعمة بالفخر، حيث قال لـ«المصرى اليوم»: «هذا النجاح ليس مجرد أرقام، هو ثمرة صبر وألم وغربة، أشكر مصر قيادةً وشعبًا على احتضانها لولدى، وأشكر الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، والدكتور محمد الضوينى، والدكتور أيمن عبد الغنى، وكل من ساعدوا مصطفى فى رعاية الوافدين»

قصة مصطفى لا تتعلق فقط بشهادة، بل هى شهادة أن العلم أقوى من الحرب، وأن الغربة لا تهزم من تمسّك بالقرآن، وأن مصر وأزهرها مأوى العلم وأمان الغريب.

من بين الأنقاض فى غزة ووسط أنوار الأزهر فى القاهرة، وُلد الأمل من جديد.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *