
في الوقت الذي اعتبر فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاتفاق الجمركي الجديد بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كأحد “أكبر الصفقات التجارية في التاريخ”، شهدت الساحة السياسية الفرنسية ردود فعل غاضبة وغير مسبوقة.
من اليسار إلى اليمين، ارتفعت أصوات المعارضين الذين وصفوا الاتفاق بأنه “خيانة” و”فشل سياسي”، بل و”استسلام مشين” للولايات المتحدة، وبين جدلية الاستقرار المؤقت والاختلال الدائم، تطرح الصفقة تساؤلات كبيرة حول مستقبل السيادة الاقتصادية الأوروبية ومكانة فرنسا في هذا التوازن الجديد.
اقرأ كمان: أسعار الذهب في الإمارات اليوم الجمعة 25-4-2025: عيار 18 يبلغ 303.75 درهم.
صفقة غير متوازنة
في هذا السياق، أوضح الخبير الاقتصادي الفرنسي تييري ماييه، المتخصص في التجارة الدولية وأستاذ في معهد العلوم السياسية لـ”العين الإخبارية”، أن الاتفاق يمثل ضرورة دبلوماسية واقتصادية في ظل التوترات التجارية المتزايدة الناتجة عن السياسات الحمائية لإدارة ترامب، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى تجنب تصاعد حرب تجارية، لكنها تبقى غير متوازنة، حيث قال: “إنها صفقة ذات طابع واقعي، لكنها تخدم الطرف الأمريكي بشكل أكبر من الأوروبي”.
كما أشار ماييه إلى أن تأثير الاتفاق المحتمل على نمو الاتحاد الأوروبي قد يصل إلى 0.3–0.5% من الناتج المحلي، لكنه لا يُعتبر كارثة للاقتصاد، ومع ذلك، يبقى محفوفًا بالمخاطر على المدى المتوسط.
تخفيض الرسوم
وقع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة اتفاقًا تجاريًا جديدًا ينص على تحديد الرسوم الجمركية المتبادلة بنسبة 15%، في محاولة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين القوتين العظميين.
هذا الاتفاق، الذي تم الإعلان عنه رسميًا في 27 يوليو/تموز، تم تسويقه كخطوة تاريخية لتعزيز الاستقرار والتفاهم التجاري بعد سنوات من التوتر، خاصة خلال إدارة ترامب، وفقًا لمحطة “بي.إف.إم” التلفزيونية الفرنسية.
لكن في باريس، لم تمر هذه الصفقة دون انتقادات، حيث قوبلت بموجة من الاعتراضات الشديدة من قبل المعارضة السياسية، التي اعتبرتها غير متوازنة، وتهدد الوظائف الأوروبية، وتضعف السيادة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي.
مقال له علاقة: سعر الذهب يشهد انخفاضًا ملحوظًا اليوم الخميس في محلات الصاغة.. تعرف على سعر عيار 21 الآن
معارضة سياسية
في مقدمة الأصوات المعارضة، خرج فرانسوا بايرو، رئيس الوزراء، ليصف اليوم الذي تم فيه توقيع الاتفاق بأنه “يوم مظلم”، حيث تتعرض “تحالفات الشعوب الحرة” للهيمنة، وفي منشور ناري عبر منصة إكس، قال بايرو: “إنه يوم قاتم عندما تُضطر تحالفات الحرية للخضوع بشكل سافر”.
كما انتقد مانويل بومبارد، منسق حزب “فرنسا الأبية”، الاتفاق واصفًا إياه بأنه “وصمة عار”، وهو ذات التعبير الذي استخدمه جان لوك ميلانشون، زعيم اليسار الراديكالي، الذي أضاف: “كل شيء تم التنازل عنه لترامب.. لقد مُنح حق تعديل قواعد اللعبة التي تم إرساؤها على مدار 75 عامًا من العلاقات الثنائية”.
أما دومينيك دو فيلبان، رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، فقد اعتبر الاتفاق “ضريبة تُدفع” للولايات المتحدة، منتقدًا الاستثمار أحادي الاتجاه بقيمة 600 مليار دولار، متسائلًا: “كم عدد الوظائف التي سيدفعها الأوروبيون ثمنًا لهذا الاتفاق؟”.
انتقادات من أقصى اليمين
زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان لم تتردد في وصف الاتفاق بأنه “فشل سياسي، اقتصادي وأخلاقي”، مشيرة إلى أن الاتحاد الأوروبي يتجه نحو مزيد من التبعية لواشنطن، على حساب أمنه الصناعي والمالي.
كما كتب النائب الأوروبي اليساري أنطوني سميث: “هذا ليس اتفاقًا تجاريًا، بل هو استسلام كامل!”
الرسالة المشتركة بين هؤلاء جميعًا تُظهر أن الاتفاق يعزز من مكانة الولايات المتحدة كمهيمن على قواعد اللعبة التجارية، بينما يتحول الأوروبيون – وخاصة فرنسا – إلى شركاء من الدرجة الثانية بلا سلطة حقيقية في تحديد مسارهم الاقتصادي.
رد الحكومة الفرنسية
في مواجهة هذا السيل من الانتقادات، حاول المسؤولون الحكوميون تهدئة الأجواء دون إنكار العيوب، حيث صرح بنجامين حداد، وزير الشؤون الأوروبية، بأن الاتفاق سيمنح “استقرارًا مؤقتًا”، لكنه لم يخفِ حقيقة أنه “غير متوازن” بطبيعته، بينما أكد لوران سان-مارتان، مسؤول التجارة الخارجية، أن الحكومة ترى في الاتفاق خطوة “براغماتية”، رغم أنه لا يحقق كامل الطموحات الأوروبية.
ترامب يحتفل
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لعب دورًا في التمهيد لهذا الاتفاق، وصفه بأنه “أعظم اتفاق تجاري على الإطلاق”، في لهجة نصر اعتاد تبنيها، لكن هذا الخطاب، بحسب خصومه الأوروبيين، لا يعبر إلا عن توازن مختلّ يُكرّس تبعية أوروبية لاقتصاد أمريكي يفرض شروطه دون مفاوضات.
الاتفاق الجمركي الجديد بين واشنطن وبروكسل يعكس أكثر من مجرد ترتيبات تجارية، فهو يمثل مرآة لانزياح متسارع في موازين القوى الاقتصادية، وفي ظل الغضب المتزايد من السياسيين الفرنسيين على اختلاف توجهاتهم، يبدو أن فرنسا أمام مفترق طرق: إما أن تعيد صياغة دورها ضمن الاتحاد الأوروبي بطريقة تحافظ على استقلالية القرار الاقتصادي، أو تستمر في التماهي مع تحالفات تُدار من خارج القارة.
aXA6IDJhMTM6YWRjMDo6YWYxOmVhZmY6ZmVmNjoyYjUyIA==.
جزيرة ام اند امز.
NL.
التعليقات