الجزائر تتخلى عن الحليب الفرنسي وتعلن عن بديلها الإفريقي المبتكر

في تحول استراتيجي يعيد تشكيل خارطة استيراد الجزائر، بدأت البلاد رسميًا في الابتعاد عن السوق الفرنسية في تموين مادة الحليب، متوجهة نحو شراكات إفريقية تعزز من أمنها الغذائي.

تمثل هذه الخطوة نقلة نوعية في سياسة الجزائر الغذائية، حيث تسعى إلى تنويع مصادر التوريد والاعتماد على شركاء جدد يحملون طموحات كبيرة في السوق الإفريقية.

الجزائر تستبدل فرنسا بأوغندا في تموين الحليب

أعلنت الجزائر رسميًا عن استيراد الحليب المجفف من أوغندا، وذلك في ظل تراجع ملحوظ في واردات الحليب الفرنسية، التي كانت تزود السوق الجزائري لسنوات طويلة، وقد أعلنت السلطات عن تصدير أول شحنة من الحليب المجفف كامل الدسم إلى الجزائر بوزن 2100 طن، عقب اتفاق ثنائي تم خلال زيارة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني للجزائر في 2023.

يأتي هذا التحول بعد رفض كينيا استيراد الحليب الأوغندي، مما دفع أوغندا لفتح أسواق جديدة، بينها الجزائر التي تسعى إلى تقليل اعتمادها على السوق الأوروبية، وأكد الرئيس موسيفيني نهاية ماي 2025 انطلاق هذه الشحنة الأولى، معربًا عن أمله في تعزيز التعاون التجاري في قطاع الحليب بين البلدين.

متابعو الموقع يشاهدون:

During my visit to Algeria in March 2023, I had good discussions with His Excellency President Abdelmadjid Tebboune regarding Algeria’s interest in importing milk from Uganda. I am, therefore, happy to see the first shipment of whole powdered milk, starting with an initial batch….

— Yoweri K Museveni (@KagutaMuseveni).

يجدر بالذكر أن سوق الحليب الجزائري يعاني من تقلبات في التموين الخارجي، خاصة بعد تراجع واردات الحليب من فرنسا بسبب توتر العلاقات السياسية بين البلدين.

وفقًا لبيانات رسمية، بلغت واردات الجزائر من الحليب الفرنسي نحو 266 مليون يورو في 2023، بعدما سجلت 190 مليون يورو في 2022، قبل أن تنخفض بشكل حاد سنة 2024 بنسبة تقارب 25%.

دفعت هذه الظروف الجزائر للبحث عن بدائل في إفريقيا وآسيا، خاصة وأن الحليب المجفف كان يُستورد تقليديًا من فرنسا وهولندا ونيوزيلندا.

شراكة استراتيجية وتوسع في السوق الأفريقية

أوضح موسيفيني أن الجزائر أبدت اهتمامًا بشراء كميات من الحليب تصل قيمتها إلى 500 مليون دولار، ما يشكل فرصة استراتيجية لأوغندا بعد فقدان السوق الكيني.

وعلى هامش المباحثات التي جمعت موسيفيني برئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تم الاتفاق على تعاون يمتد لثلاث سنوات، وتم منح ثلاث شركات أوغندية كبرى عقود تصدير الحليب إلى الجزائر.

أرسلت الجزائر بعثات تفتيش متعددة إلى أوغندا، كان آخرها في جانفي 2025، للتأكد من جودة المنتجات ومطابقتها للمواصفات الجزائرية.

وزار وزير الفلاحة والتنمية الريفية يوسف شرفة العاصمة كمبالا، وحث المصنعين على تسريع عمليات التصدير مع ضمان جودة المنتج.

يأتي هذا التوجه في ظل تراجع واردات الحليب الفرنسية بنسبة 25% خلال 2024، بعد ارتفاعها في 2023، ما يعكس توترًا دبلوماسيًا وتغيرًا في السياسة الغذائية الجزائرية.

تجدر الإشارة إلى أن الجزائر قدمت دعمًا ماليًا ضخمًا لسوق الحليب في 2023، حيث بلغ إجمالي الدعم بين 2009 و2023 أكثر من 20 مليار دولار.

مشاريع محلية لتعزيز الاكتفاء الذاتي.

تستعد وزارة الفلاحة لإطلاق مشروع وطني ضخم لإنتاج الحليب المجفف، بالتعاون مع شركة “بلدنا” القطرية، بقيمة 3.5 مليار دولار.

يتوقع بدء الإنتاج في المرحلة الأولى بحلول 2026، حيث ستنتج المزرعة 194 ألف طن من الحليب المجفف سنويًا، مع تربية 50 ألف رأس من الأبقار، وتتوسع لتصل إلى 270 ألف رأس في السنة التاسعة.

تهدف هذه المشاريع إلى تقليل الاعتماد على الاستيراد، وتأمين تموين مستقر لسوق الحليب في الجزائر، خاصة مع تأخر نتائج المزارع العملاقة المحلية التي تقام في الصحراء، ويُعد هذا التوجه جزءًا من استراتيجية أوسع لتقوية الأمن الغذائي الوطني ومواجهة تقلبات الأسواق العالمية.

من الجدير بالذكر أن مادة الحليب ليست الأولى ضمن قائمة المنتجات التي غيّرت الجزائر وجهتها بشأنها، إذ سبق وأن علّقت استيراد العجول الفرنسية منذ منتصف أفريل، بعد فترة قصيرة من تقليص واردات من فرنسا.

تظهر هذه الخطوات توجها متسارعا لإعادة رسم ملامح الشراكة التجارية مع فرنسا، في ظل استمرار التوتر السياسي بين البلدين منذ عدة أشهر.