الأقسام: ترفيه

كيف تنبأ شاعر القرن التاسع عشر ويتمان بمستقبل أمريكا الحديث؟

رغم مرور أكثر من قرن على رحيله، لا يزال الشاعر الأمريكي والت ويتمان (1819–1892) حاضرًا بقوة في المشهد الأدبي والثقافي، ليس فقط كأحد رواد الشعر الحر، بل كصوت استثنائي سبق زمانه وتجاوز حدود عصره، فقد كتب ويتمان بروح تبدو وكأنها خرجت من قلب القرن الحادي والعشرين، بتناقضاته وتحدياته وصراعاته حول الهوية والحرية والتعدد.

وهذا الحضور الفريد يطرح تساؤلًا ملحًا: كيف لشاعر وُلِد في القرن التاسع عشر أن يكتب عن قضايا تعد من أبرز ملامح عصرنا الحديث؟ وهل كان ديوان Leaves of Grass مجرد مجموعة شعرية أم وثيقة فكرية تنبؤية استشرفت ما هو آت؟

في زمن كانت فيه الولايات المتحدة تخوض صراعاتها الداخلية لبناء هويتها كأمة، جاء ويتمان ليصوغ رؤيته الخاصة لأمريكا، رؤية أكثر شمولًا وإنسانية، تتجاوز التصنيفات والانقسامات، فلم يكن يكتب عن النخبة أو السلطة، بل عن الناس العاديين؛ المزارعين، العمال، النساء، المثليين، السود، الجنود، والمهمشين.

احتوى شعره كل هؤلاء، واحتفى بهم بلغة شعرية تمزج الجسد بالروح، والحب بالتمرد، والذات بالمجتمع، في نظر ويتمان، كانت أمريكا حلمًا يتسع للجميع، حلمًا لا يتحقق إلا بالاعتراف بالتنوع والاختلاف، وهذه الرؤية، التي بدت غريبة في عصره، أصبحت اليوم جوهر النقاش السياسي والاجتماعي في أمريكا والعالم.

واللافت في تجربة ويتمان الشعرية أنه سبق عصر “السوشيال ميديا” بمئات السنين، لكنه عبر عن ذاته بنفس طريقتها، فقصائده، خاصة في ديوان Leaves of Grass، تبدو كأنها تدوينات شخصية على فيسبوك أو تغريدات صريحة على تويتر.

قال في أول سطر من الديوان: “أحتفل بنفسي، وأغني نفسي”، وهو سطر يبدو وكأنه خرج من حساب شخصي لا من نص كلاسيكي، لم يتردد ويتمان في الحديث عن جسده ورغباته وتناقضاته، ما جعله مثار جدل في عصره، لكنه في الوقت ذاته، جعله قريبًا من روح هذا العصر الذي أصبح فيه الإفصاح عن الذات جزءًا من الحياة اليومية.

تجربة ويتمان الإنسانية لم تتوقف عند الكتابة فقط، بل امتدت إلى الواقع، ففي فترة الحرب الأهلية الأمريكية، لم يحمل بندقية، بل حمل قلبًا، تطوع للعمل في مستشفيات الجيش، وشاهد بعينيه جراح الجنود، الألم، والموت، لكنه لم يتحول إلى شاعر رثاء، بل ظل ينظر للإنسان نظرة شفقة وتعاطف، كتب عن الجسد الجريح بروح محبة، وعن الموت كجزء من دورة الحياة لا نهايتها، هذه النزعة الإنسانية هي التي تجعل من ويتمان شاعر سلام، حتى وهو يعيش في قلب حرب، وهي ذاتها التي نجدها اليوم في الخطابات الداعية للتسامح ونبذ الكراهية وقبول الآخر.

لكن ويتمان لم يكن مجرد شاعر حسي يحتفي بالجسد، بل كان أيضًا فيلسوفًا روحيًا يرى الإنسان ككل متكامل لا ينفصل فيه الجسد عن الروح، لم يكن يرى تناقضًا بين التمتع بالحياة والتأمل في الخلود، بين الحب الجسدي والتجليات الروحية، وفي عصرنا الذي يعاد فيه تعريف الإنسان وسط طوفان الذكاء الاصطناعي والعوالم الافتراضية، تعود أسئلة ويتمان لتفرض نفسها: هل الإنسان عقل فقط؟ أم روح؟ أم جسد؟ أم كل هذا معًا؟ لقد كتب عن الإنسان بطريقة تُحاكي القلق الوجودي الذي نعيشه اليوم.

العلامات: الشعر الحر المشهد الأدبي الولايات المتحدة ديوان شعري والت ويتمان

المشاركات الاخيرة

  • اقتصاد
  • مصر

أسعار الذهب في مصر ترتفع.. عيار 24 يصل إلى 5194 جنيهًا للشراء في تحديث الساعة 5:40 مساءً

يتساءل الكثير من الناس عن أسعار الذهب اليوم في مصر، حيث نقترب من يوم الثلاثاء 29 يوليو الساعة 5:40 مساءً،…

ثانية واحدة منذ
  • تعليم

جامعة كفر الشيخ تستعد لاستقبال طلبة المرحلة الأولى بتوفير معامل الحاسب الآلي الحديثة

بدأت جامعة كفر الشيخ في استقبال طلبة المرحلة الأولى للتنسيق، حيث يمكنهم تسجيل رغباتهم من خلال معامل الحاسب الآلي المتواجدة…

دقيقة واحدة منذ
  • ترفيه

غدًا عرض فيلم المغامرة والرعب Fear Below، لا تفوتوا الإثارة!

يترقب الجمهور بفارغ الصبر تجربة سينمائية مشوقة مع فيلم الرعب الجديد "Fear Below" للمخرج ماثيو هولمز، الذي سيبدأ عرضه في…

دقيقتان منذ
  • دوليّة

روسيا تكشف عن دعم واشنطن ولندن لترشيح زالوجني لرئاسة أوكرانيا

أفادت وكالة الاستخبارات الخارجية الروسية بأن واشنطن ولندن اتفقتا على دعم ترشيح القائد العام السابق للقوات المسلحة الأوكرانية، فاليري زالوجني،…

3 دقائق منذ
  • مصر

موافقة جامعة الإسكندرية على ضوابط تحويل ونقل القيد والقبول في الكليات.. كل التفاصيل هنا

استعرض الدكتور عبدالعزيز قنصوه، رئيس جامعة الإسكندرية، خلال اجتماع مجلس الجامعة اليوم الثلاثاء، نتائج زيارته الأخيرة إلى أبوظبي في دولة…

4 دقائق منذ
  • دوليّة

الرئيس اللبناني يبدأ زيارة رسمية إلى الجزائر لتعزيز العلاقات الثنائية

وصل رئيس جمهورية لبنان، جوزيف عون، إلى الجزائر يوم الثلاثاء في زيارة رسمية بدعوة من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون،…

5 دقائق منذ